بالأمس أعلن مسعود البرزاني بحضور وزير الخارجية الأمريكي عن قيام كوردستان، والذي سيحتفل به عبر انزال العلم العراقي الذي بقي مرفوعا إلى جانب العلم الكوردي فترة من الزمن، و قد سوّق هذا الموضوع على أنه ضرورة ، بعد فشل المشروع الوطني العراقي ، لكن هذا المبرر لا يتناسب مع مشاعر الفرحة والحماسة العارمة التي اجتاحت أوساط الكورد عامة في كل المناطق ، فهو بشكل واضح هدف بعيد عمل عليه الشعب الكوردي فترة طويلة من الزمن، الذي استطاع في النهاية تحقيق حلمه الذي لم يكن تاريخيا بل نشأ حديثا بتأثير انتقال النزعة القومية الأوربية ، التي طغت في مرحلة الرأسمالية القومية ما قبل الامبريالية والعولمة .
وأنا حبا بهذا الشعب الشقيق الذي شاركناه التاريخ بفرحه وحرنه ، وسعادة بفرحه أحببت أن أهنئهم على تحقيق حلمهم هذا الذي يعتقدون أنه سينهي ( اضطهادهم وفقرهم ومعاناتهم ) والتي بحسب منظريهم سببها عيشهم المشترك مع القوميات الأخرى ؟؟؟ .. لذلك أردت في هذا السياق ولنفس الغاية أن أذكرهم ببعض القضايا التي اختلفنا عليها والتي أتوقع أن تواجههم فيما سيأتي من أيام :
1- عندما نبهنا أن النزعة الانفصالية الكوردية هي المحرك الحقيقي للحركة الكوردية ،وكل ما هو غيرها من توظيف للمعاناة هو مجرد ذرائع ، لكونها معاناة أيضا كل مكونات الشعب الأخرى .. قامت الدنيا ولم تقعد واتهمنا بالحقد والعنصرية … يومها أصر الكورد أنهم لا يفكرون أبدا بالانفصال ، وقد ثبتوا ذلك في وثائق خطية اعتمدت فيها الجمل المتناقضة المضمون عمدا وتورية ، وهذا شيء أثبتت الأيام بطلانه ، فقضية (الاعتراف الدستوري بالشعب الكوردي ضمن وحدة الشعب والدولة )، تبين أنها عمليا هي اعطاء حق الانفصال .. وهي الهدف الحقيقي من الوثيقة الخديعة التي اعترضنا عليها علنا ، ليس كرها بالأخوة الأكراد ، بل كرها بالكذب والنفاق الذي تعلموه من العرب ومارسوه عليهم ، ويومها ذكرت أن انفصال الكورد كقومية قد يكون مبررا ، لكنه سيستخدم كبوابة ومبرر لانفصال العلويين والشيعة والاسماعيليين والسنة والدروز والمسيحيين …. أي يعني قيام الدولة الطائفية … وهو ما سيودي في المنطقة نحو مستنقع الحرب الأهلية الخالدة ، التي تفشل فيها كل الدول وتعيش في مرحلة ما قبل الدولة أو دولة العصابة .
2- سبق وقلنا أن المشروع القومي الكردي غير ناضج تاريخيا مثله مثل المشروع القومي العربي والتركماني والفارسي ، وأن شعوب المنطقة متداخلة ولا يمكن الحديث فيها عن دولة قومية بالمفهوم الأوروبي، وأن استيراد هذا المفهوم غير صحيح وغير مناسب وليس زمانه ، وأن المنطقة عاشت تاريخيا تداخل وتنوع هائل في الانتماءات ضمن الدولة الإمبراطورية ( الخلافة ) ولا يمكن أن تقوم فيها الدول إلا على العقد والذمة وليس الهوية .. وبدل السعي لإقامة الدول القومية علي شعوب مشرذمة ومتداخلة ، كان من الواجب البحث عن تحقيق الطموحات القومية المختلفة ضمن الصيغ التعاونية والاتحادية الديمقراطية التي تشمل كل المنطقة ، لكن الأخوة في كوردستان أصروا على المضي قدما في مستقبلهم عكس التاريخ الذي يدفع بالدول نحو الاتحاد متجاوزا عصر الدولة القومية والحدود الاقتصادية .
3- هذا الاعلان عن قيام الدولة هو حتى الآن مجرد مكسب عاطفي تعاكسه الحقيقة المرة ، وهي أن 90% من الشعب الكوردي بقي تحت الاحتلال ، وهو الآن عرضة بشكل متزايد للاضطهاد والتمييز بسبب نزعته (غير الوطنية) في بلدانه الحالية التي أصبح يشكل خطرا فيها على وحدتها ، وأن حدود هذه الدولة غير معروفة وغير معلن عنها وغير معترف بها ، والتي لن ترسم إلا بعد خوض حروب عسكرية مريرة لتثبيتها ، وأن جزرا كثيرة وبعيدة للتواجد الكوردي في المنطقة ستصبح عرضة للتهجير والتطهير وتغيير الهوية( مثل كوباني وعفرين وحارة الرز ) ، في حال اندلعت هذه الحروب وتم العمل علي تهجير الغرباء من الأعداء الارهابيين ، كما أن الحرية المزعومة جاءت في سياق تثبيت الاقطاع السياسي واستبداد الفساد المستشري والصراع القبلي والطائفي ، وأن الصراع الداخلي الكوردي سيطفو بقوة على السطح وسيظهر عجز الكورد عن اقامة الدولة الديمقراطية المدنية ، كما عجز قبلهم غيرهم في المنطقة التي لم تنضج صيغتها المدنية القادرة على حمل المشروع الديمقراطي في اطار الدول المصطنعة التي أوجدتها اتفاقية سايكس بيكو ، والتي لا تصلح وتستقر إلا كسجون ومدافن جماعية وحلبات مصارعة رومانية .
4- إن اعلان دولة كوردستان يعلن نهاية سايكس بيكو ، لكن بطريقة خطيرة ، لأنه لم يتم عبر اتفاقية جديدة حضارية لإعادة ترتيب المنطقة سياسيا وفق مصالح المكونات المشتركة وبالتفاهم فيما بينها ، بل جاء في سياق معاكس تماما أي سياق الحرب الأهلية وفشل الدول في كل دول المنطقة وكتعبير عنها واستمرار لها ، وبوسيلة فرض الأمر الواقع بالقوة وبمساعدة الأجنبي ، ومن دون الأخذ بعين الاعتبار لمصالح الآخرين …
5- أي باختصار إن هذا الاعلان سيكون بوابة صراع ينهي صيغ العيش والاستقرار ، ويتسبب في حروب وتهجير كبيرة وكثيرة في غياب مشروع حضاري توحيدي يسير معه بالتوازي ، فالمنطقة موحدة جغرافيا واقتصاديا ، والشعوب متداخلة وكذلك الثقافات والهويات ، ولا يصلح فيها التقسيم بل لا بد من الوحدة ، ومن يبحث عن هويته وحقوقه وفق طريق التقسيم يتسبب لنفسه بمشاكل ومعاناة من نوع آخر ، في حين يمكن حلها في سياق الوحدة والحرية واحترام الحقوق الثقافية ، المبني على المصالح المشتركة ، وبدل تفكيك العراق وسوريا ولبنان وتركيا وايران ، ودخولها في حروب داخلية لا تنتهي ، يجب أن يدفعنا اعلان استقلال كوردستان للتفكير الجدي في تطوير صيغ اتحادية ديمقراطية فوق قومية ولا طائفية ..
6- أما بالنسبة للثورة السورية فأنا أعتبر أن اعلان هذا الاستقلال والذي سيتبعه استقلال السنة في العراق ، سيغير ميزان القوى في المنطقة وسيكسر الهلال الشيعي الفارسي ، لذلك نحن فعلا سعداء في قيام هذه الدولة ، بل مستفيدين منها ، فاستعادة نصف اراضي العراق للهوية العربية السنية ، سيفتح الباب للتعاون بين العرب السنة المشتتين في كذا دولة ، ويستطيعون تثبيت هويتهم وتواجدهم في المنطقة واقامة دولتهم الموحدة ذات اللون الواحد ، بعد أن تعرض تواجدهم لتهديد وجودي بسبب التكالب عليه، في حين أن من يتكالبون عليه سيصبحون هم عرضة للتفكك ، وبمجرد قيام دولة عربية شيعية في العراق فإن ذلك سيطرح موضوع تقسيم ايران واستعادة عربستان منها ، ويطرح مسألة توحيد كوردستان بقوة، وكلاهما سيكونان كافيان لتفكيك ايران … وقد سبق وقلت منذ عام 2001 أن المشروع القومي الكردي لا يتناقض مع المشروع القومي العربي ، ويمكنهما السير معا وبالتوازي ، وقلت أنني سأكون كعربي أول السعداء برفع علم الاستقلال فوق كوردستان الحرة المستقلة ، لأن ذلك سيجعل من وحدة سوريا والعراق واستعادة المناطق العربية المسلوبة أمرا أكثر سهولة . فالفوضى الخلاقة التي سادت المنطقة بعد فشل الدولة ، قد تسمح للشعوب في تحقيق ارادتها ، وهي أفضل من دولة السجن التي سادت بعد رحيل الاستعمار …
لذلك أقول مبروك علينا كعرب وكورد قيام كردستان … وعقبال عربستان .. وكل بيكو وانتم بخير ..