عندما يثبت أن “أمير” كتائب عبدالله عزام المدعو ماجد الماجد، الذي مات قبل أيام في لبنان، تدرب في معسكرات لـ”القاعدة” في إيران، وقبل ذلك ثبت أن بعضاً من أبناء أسامة بن لادن كانوا يقيمون في طهران، وأن التابعين لهذا التنظيم، الذي غدا مطارداً في العالم بأسره، كانوا يتنقلون، وربما مازالوا، في المثلث “الإيراني- الأفغاني- الباكستاني”، وأنهم كانوا ينطلقون من هذه المنطقة للقيام بعمليات إرهابية وتأسيس قواعد سرية في العديد من دول هذه المنطقة… ومن اليمن وسيناء المصرية… عندما يثبت هذا فإنه يجب أنْ يصبح مالا نقاش فيه هو أن تنظيم دولة العراق وبلاد الشام الإسلامية “داعش” هو صناعة مخابراتية إيرانية- سورية، وأنه أنشئ ليلعب دور الطابور الخامس داخل المعارضة السورية والقيام بجرائم وحشية ضد المدنيين السوريين لتشويه صورة هذه المعارضة، هذا بالإضافة إلى استهداف خيرة ضباط الجيش الحر وإشغال الثورة السورية بمعارك جانبية تبدو للمتابعين عن بعد معارك عبثية دافعها الاقتتال على الغنائم.
وحقيقةً، فإن إيران قد برعت في هذه اللعبة الخطيرة، فهي في سنوات سابقة تمكنت من اختراق بعض الفصائل الأفغانية المسلحة وتجنيد بعضها، مثل الحزب الإسلامي بقيادة قلب الدين حكمتيار، مع تحاشي الاعتماد على الأقلية الشيعية “الهزارة” خوفاً من تعريضها للانتقام المذهبي، وحرصاً على أن تكون فاعلة في أفغانستان من خلال الأكثرية السنية التي هي مَنْ شكَّل حاضنة الثورة ضد الاحتلال السوفياتي الذي كان رحيله مهزوماً بداية انهيار المنظومة الاشتراكية في العالم كله.
ثم لقد ثبت أيضاً أن “فتح الإسلام”، التي استدرجت دماراً شبه شامل إلى مخيم نهر البارد الفلسطيني بالقرب من مدينة طرابلس اللبنانية، كانت صناعة مخابراتية سورية، فالمعروف أن أكثر الحروب تأثيراً هي التي تشن على الخصم من داخل صفوفه. وحقيقةً فإن الدور الذي قام به “داعش” قد زعزع صفوف المعارضة السورية أكثر مما زعزعتها المواجهة العسكرية المستمرة على مدى نحو ثلاثة أعوام مع القوات الحكومية والميليشيات الطائفية المتحالفة معها.
والمشكلة هنا أن الأميركيين، ومعهم دول الاتحاد الأوروبي قد لجأوا، بدل دعم الجيش الحر وتمكينه من التصدي لـ”داعش” وكل الاختراقات الإرهابية المدفوعة والموجهة، إلى التشكيك في هذا الجيش وفي كل المعارضة السورية المعتدلة، وبهذا فإنهم قد صبُّوا الحَب في طاحونة بشار الأسد وأعطوا مصداقية لادعاءاته بأن معركته ليست مع الشعب السوري بل مع الإرهاب، وبالتالي فإنه بمساعدة روسيا بات يستعد للذهاب إلى مؤتمر جنيف2 بجدول أعمال من نقطة واحدة هي: إمَّا التنظيمات الإرهابية وإمَّا هذا النظام العلماني المعادي للتطرف والأصولية.
وبهذا فإن الأميركيين، ومعهم الغرب الأوروبي، هم المسؤولون عن هذه الصورة القبيحة التي أُلصقت بالجيش الحر وبالمعارضة المعتدلة، والآن وقد ثبت أن هذا الـ”داعش” صناعة مخابراتية سورية- إيرانية، فإن على الولايات المتحدة، إن كانت فعلاً معنية بمستقبل سورية كدولة ديمقراطية وتعددية لكل أهلها من كل الأعراق والأديان والطوائف، أن تسارع، ومعها الدول الأوروبية، إلى التخلي عن تخاذل الأعوام الثلاثة الماضية، لتقديم كل ما يمكِّن المعارضين السوريين المعتدلين من القضاء على هذا الوباء الإرهابي الأصفر، ومنعه أن يتفشى أكثر وأكثر… وإلاَّ فإن الغرب كله سيدفع الثمن، بالإضافة إلى هذه المنطقة والشرق الأوسط كله.