الشيخ مقصود-الاشرفية/حلب(مصطفى عبدي)
كورد ستريت / يمكنك أن ترى احيانا في حلب شجيرة أو زهرة أو شيئا من لون بين الغبار والأنقاض. ويوجد عدد من الاشجار التي غُرست. وترى من حين لآخر نقطة كهرباء حينما تلمسها يُضاء نور أو حنفية يجري الماء منها. وهذه اشياء قد نُسيت تقريبا. وترى حافلة إعتدت أن تفكر فيها كما تفكر بقشرة محروقة يمكن الاختباء خلفها حينما يُمطر الرصاص المكان، بيد أن الحافلة خضراء هذه المرة وهي تسير.
وتوجد مئات الأسماء ومئات الحروف الاولى، وفي كل ركن في المدينة فيلق اسلامية خاصة به مستعدة لأن تحصل لك على شيء من الخبز أو السكر. وقد بدأوا نشاطهم في كانون الثاني حينما بدأت التباشير الاولى للقانون والنظام تعود الى المدينة التي كفوا فيها عن سلبك كل ممتلكاتك ومنها الحذاء الذي أبقيته بالقرب من باب البيت.
ولعل الحديث عن جماعات معارضة دون أية سلسلة قيادة ويمكن تسمية كثير منها ‘عصابات مسلحة’. واعضاؤها يبيعون السكان المساعدات الانسانية التي حصلوا عليها بالمجان. وهم يُفرغون حوانيت ومخازن ويبيعون أصحابها ما فيها. وليست المسألة أن لكل واحد هنا سلاحا، بيد أن السلاح عند كثيرين منهم هو الشيء الوحيد الذي يملكونه. وهم جميعا أيتام حلب، وهم فتيان بين الثالثة عشرة والخامسة عشرة يتجولون في الشوارع مع قمصان قصيرة الكمين وبنادق كلاشينكوف، وجوارب مع صور بارك سمبسون تحت نعل عسكرية، وهم يجمعون النهب الذي خلفته العاصفة. فهؤلاء هم أسياد حلب الجدد وهم اولاد لم يكادوا يُنهون المدارس ولم يكادوا يجدون عملا لكن معهم بنادق كلاشينكوف وهم الآن جربوا القوة ويرفضون العودة ليكونوا بلا قيمة وأهمية كما كانوا تحت حكم الاسد.
ولماذا الأحياء الكردية؟
بات من المؤكد أن الأحياء الكردية في حلب / الشيخ مقصود الشرقي والغربي والسكن الشبابي والاشرفية/ قد تعرضت لنهب كامل ومنظم، بحيث باتت محتويات كل المنازل منهوبة بشكل كامل، لدرجة وصلت لاقتلاع الشابيك والابوب، وسحب شرطان الكهرباء.
و بتوثيق هذه الانتهاكات فإننا نكون أمام أكثر المناطق المنهوبة في كل سوريا، فلم يحدث ان تعرضت منطقة ما بمحافظة حلب او بكل سورية لعمليات نهب وسلب منظمة بهذه الصورة.
فقد سمعنا عن تدمير النظام لأحياء بعينها ولكن لم نسمع انه سرق أو نهب بهذا القدر.
والمتهم الأكيد في هذه الجريمة الصامتة هم كتائب المعارضة والمجموعات المرتبطة بهم.
/جوان عزو/ كان قد زار منزله في حي الشيخ مقصود قبل اسبوع، وحينما صادفناه في طريق العودة/طريق الباب/ كان يحمل كيسا أخرج منه صورة وهو يقول: صورة أمي رحمها الله، هي الشيء الوحيد الذي لم تصله يد اللصوص، فأنا لم أجد من منزلي إلا الحيطان، ولو كان يمكن سرقتها، لما وجدتها ايضاً.
يتساءل الكثيرون عن السر والسبب في هذا الاستهداف الاعمى، وعن الجهات التي كانت بالأمس القريب تحميهم، لتتحول اليوم إلى مجموعات مرتزقة تقوم بتوزيع الأحياء بين أفرادها، وأحقية كل جهة في “نهب” محتويات المنازل؟
سئلنا/جوان/ عن اللصوص فرد: عرب، أم كرد…كل الكتائب في الشيخ مقصود، واحياء الاشرفية لصوص، وهمهم اتمام سرقة ما تبقى من المنازل وليس شيء آخر!؟
وفي كوباني يوجد العديد من المحال التي تقوم ببيع المسروقات من الادوات المنزلية المستعملة سواء غرف النوم او الغسالات والمرواح والمدافئ الكهربائية والبرادات.
من جانبه قال /محمد حسن، صحفي/ وهو من ابناء كوباني الذين كانوا يسكنون في منطقة شيخ مقصود ان بيته تعرض لسرقة شبه كاملة بعد دخول الكتائب المسلحة الى المنطقة لافتا الى ان اكثر ما آلمه هو سرقة جواز سفره الامر الذي يشير الى ان هؤلاء اللصوص يعملون بشكل منظم ويستهدفون الاوراق الثبوتية لاستخدامها في اغراض غير مشروعة والمتاجرة بها.
الشيخ مقصود مأساة حقيقية
من جانبه /اعتبر الاعلامي نزهت شاهين/ أن هنالك عدد من العوائل ما تزال تسكن تلك الأحياء وأن الظروف المادية لم تمكنهم من المغادرة ففضلوا البقاء تحت القصف والخطر، فهم يشقون الآن مسيرة العناء والخوف والحاجة، فلا كهرباء، إما بسبب القصف الذي أدى الى انقطاع الكابلات أو بسبب السرقة، وبالنسبة للوضع الصحي فإنه ينذر بكارثة حقيقية بحيث لا يوجد سوى نقطة طبية واحدة لا تقديم احتياج يوازي حجم المأساة.
أمنياً يوجد ضابطة ومقر للهيئة الشرعية ومخفر بدون أي تنسيق فيما بينهم، بحيث اذا اراد أحد المواطنين نقل منزله يذهب الى المخفر لكي يعطيه ورقة وبمقابل مادي والدفع يكون بحسب حجم الأغراض والمبلغ يتراوح بين (300– 5000) والضابطة لا تعترف بورقة المخفر ويضطر المواطن للدفع مرة أخرى وعند المرور على الحواجز يأخذ كل حاجز بملغ (1000) ليرة .
حلب مدينة جائعة ومستنزفة:
ما زال نحو من مليون سوري يعيشون في حلب المدينة التي يسيطر عليها جيش التحرير وهم اولئك الذين لا يمتلكون 150 دولارا يأخذهم في سيارة الى الحدود مع تركيا. ويخطو عشرات الاولاد الحُفاة في أسمال، أجسامهم مشوهة وفيها ندوب بسبب علاج عنيف، على آثار أمهاتهم الحافيات هن ايضا والضاويات والسود من أخامص أقدامهن حتى رؤوسهن، فهن مغطيات تماما. وكلهن تحمل طبقا عميقا آملات أن يجدن رغيف خبز في المسجد. فالحال كالحال في الصومال أو في اثيوبيا: فالاولاد ذوو جلود صفراء من حمى التيفوس، ونظرات عميقة تنغرس فيك حينما تحاول المرور بهم. فهم يبدون مثل اولاد حرب حقيقيين ممن لا يظهرون أبدا في الصحف أو في التلفاز. وهم لا يبتسمون شُكرا حينما يُعطون كعكة. فهم مرهقون لا كلمات عندهم، وعيونهم في دهشة للمشاهد الفظيعة. هؤلاء هم الاولاد الحقيقون. هم والاولاد الذين حصدتهم صواريخ الاسد ممن بُعثرت أجزاء أجسامهم في المستشفيات. ويأتي الضحايا هنا دائما في أزواج لأنه يوجد بالقرب من كل قتيل جثة اخرى لمن حاول أن يُخلصه وأطلق قناص النار عليه.
يوجد مليونا لاجيء وخمسة ملايين مقتلع هم ثلث مجموع عدد السكان. لكن لا وسيلة لمساعدتهم لأن منظمات المساعدة التابعة للامم المتحدة تعمل فقط عن طريق حكومات معترف بها، أي ادارة الاسد. وقد أجازت هذه الادارة المساعدة في الحقيقة لكنها فرضت الكثير من القيود على التنقل بحيث تخصص أكثر المساعدة في نهاية المطاف للمناطق التي يسيطرون عليها.
إن حلب قد مسها الجوع وهي مستنزفة. فما زال الناس يعيشون بين الأنقاض في حين تقع الصواريخ على رؤوسهم، فيما العالم ما يزال يفكر، ويكتفي بالمراقبة!
من مصطفى عبدي/صور حصرية من نزهت شاهين