منذ بداية العمل المسلح وإشعال الحرب من جهة النظام ضد الشعب السوري أثيرت بالتوازي مع تصاعد الصراع الدموي إدعاء وبشكل ممنهج على أن هناك عملية تهجير قسري بين الطائفة العلوية والسنية في المناطق الساخنة مع تحريض العصابات المسلحة لتحقيق ذلك من أجل تصبيغ الثورة السورية بصبغة على أنها صراع مذهبي وليست ثورة شعب يطالب بالحرية والكرامة.
.
كان النظام داهياً لتمرير هذه اللعبة لما يمتلك من آليات و أدوات خبيثة لتحقيق هدفه الذي كان يريده أن يقلب ثورة شعب إلى صراع طائفي ويضع نفسه مرة أخرى في موضع يتخيله العالم على أنه ” حامي وحريص على أمن الشعب ” من الخطر والحرب الذي يعلنه “الإرهاب” ضد الوطن والشعب إنتقاماً من الموقف الوطني والقومي الذي يتخذه النظام ضد المتآمرين على البلاد ومشروعه القومي, حسب إدعاء النظام في دمشق.
.
إن تمرير فكرة التغيير الديمغرافي وتعليقه في أذهان المكونات المختلفة من الشعب السوري كان كافياً لأن يتقوقع كل مكون في موقعه ومناطقه للدفاع عن نفسه ووجوده خوفاً من إمتداد مكون على حساب مكون آخر وخصوصاً تلك المكونات التي تشكل أقلية بالنسبة للمكون العربي من السنة والشيعة وكذلك المكون الكوردي الذين يشكلون الأغلبية من الشعب السوري. وبذلك إستطاع النظام أن يُحَيِدَ الأقليات ويُبَعِدَها من الثورة السورية, فلا حاجة لنا أن نسمي تلك الأقليات. فبقي أن يمرر النظام ذلك الإدعاء بين السنة والشيعة من جهة, وكذلك بين الكورد والعرب من جهة أخرى لنشوب صراع دموي بينها بدلاً من أن تتوحد القوى في مواجهة النظام. إن هذه اللعبة كانت متبعة في إشعال الحرب الأهلية في لبنان في النصف الثاني من السبعينيات وسنوات الثمانينيات من القرن الماضي, وعلى خلفية تلك الصراعات دخل الجيش السوري إلى لبنان بقرار دولي كجزء من قوات الردع العربية, وبالتالي ليبقى بمفرده متحكماً بمصير لبنان طوال 30 عاماً ولا يزال متحكماً عن طريق حلفائه بقيادة حزب الله.
.
لقد إتبع النظام تمرير فكرة التغيير الديمغرافي وخصوصاً بين الكورد والعرب في مراحل سابقة لحكمه, حيث نفذ مشروعي الإحصاء الإستثنائي والحزام العربي في الجزيرة بغية تفريغ الجزيرة من سكانها الأصليين من الكورد و توطين العرب بدلاً منهم في السبعينيات من القرن الماضي, ومن ثم الضغط على المكون الآشوري والسرياني عن طريق تحريض العرب الوافدين من المحافظات الأخرى (عرب المغمورين) والتضييق على حياتهم الإجتماعية والأمنية بهدف تهجيرهم تحت صمت ممنهج, وبالتالي يكون قد حقق هدفه الذي يرمي إلى صهر المكونات في داخل وعمق سوريا عبر عشرات السنين وتغيير الأجيال.
.
ومع تطور الأحداث وتمدد الإرهاب على المساحات الواسعة من الجغرافية السورية على خلفية الثورة السلمية التي حولها النظام إلى ثورة مسلحة والسماح لقوى مسلحة إرهابية مثل “داعش” وجبهة النصرة والكتائب الراديكالية الإسلامية الأخرى التحرك بحرية في المناطق السورية بغية إشعال الحرب بينهما من جهة وضرب جيش الحر الذي تشكل من المنشقين من الجيش السوري من جهة أخرى, وذلك مستفيداً من تجربته في لبنان على قاعدة (فرق تسد) وضرب القوى ببعضها البعض ومن ثم إضعافها ومحاصرتها في مربع مشبوه بعيداً عن الشرعية الثورية, وبالتالي ليبقى هو الوحيد الشرعي في البلاد ليمثل الطرف الرئيسي في عملية البحث عن حل سياسي يقوم به المجتمع الدولي. لكن المخيف الذي سيترك نتائجه على الأرض هو تعميق فكر التغيير الديمغرافي في أذهان مكونات الشعب السوري ونزع الثقة بين هذه المكونات من خلال تحريض تلك القوى الإرهابية لتهجير مكون على حساب مكون آخر, وبالتالي إتهام مكون لآخر على أنه يمارس التطهير العرقي كما حصل في العديد من المناطق على أيدي “داعش” تجاه الكورد وجبهة النصرة تجاه العلويين, وحزب الله تجاه السنة….. قد لا نستطيع إعادتها في عشرات السنوات اللاحقة بعد الوصول إلى حل سلمي, وذلك كما حصل في لبنان أيضاً, حيث مرت ما يقارب خمسة وعشرون سنة على إتفاق طائف ولا يزال الشعب اللبناني يصارع النزاع الطائفي والمذهبي, وحتى أن ديمغرافية مكوناتها لاتزال في حالة هشاشة وغير مستقرة نتيجة للمتغيرات التي طرأت عليها في زمن الحرب.
.
إن النظام في دمشق يحارب الشعب السوري على جبهتين, جبهة الصراع مع القوى الثورية التي لايمكن أن تتنازل عن قضية شعبها والتي ضحت بأرواح مئات آلاف من الأبرياء من الشعب السوري.. عدا عن التهجير والتدمير الذي لحق بالشعب والوطن, وستمضي هذه الثورة إلى أن تحقق أهدافها المشروعة. وكذلك يحارب النظام على جبهة أخرى لضرب مكونات الشعب ببعضها البعض وهي الأخطر حسب إعتقادي, من خلال بث إشاعات كاذبة على أن الكورد يمارس التطهير العرقي بحق العرب في مناطق الجزيرة والفرات, كما إدعت على أن هناك تطهير عرقي في مناطق إدلب وحماة وكذلك محافظة حمص بين العلويين والسنة.. وغداً سيأتي الدور للدروز والسنة في سويداء, وبعد غدٍ بين هذه العشيرة وذاك. وبعد التحقق ما إدعت جلاوذة النظام على أن هناك حصل تطهير عرقي في تل أبيض (كري سبي) تبنت على أنها كانت محض إفتراء, كانت تهدف من ورائها إشاعة فتنة بين الكورد والعرب.. علماً أن من استسلم لقوات “داعش” في تلك المنطقة وبايعتها هم من قاموا بطرد الكورد وحرق منازلهم ونهب أموالهم.. والآن الكثير منهم يعيشون وسط الكورد بأمان من دون أن يقوم أي كوردي الإنتقام منهم على فعلتهم, وذلك بعد تطهير المنطقة من داعش.
.
فهل إخوتنا من المكونات الأخرى واعين لرفض هذه السياسة التي يتبعها النظام منذ توليه للحكم ولا يزال يمارس بشكل فعلي عن طريق تلك المنظمات الإرهابية التي لا يمكن أن تخرج من تحت عبائته الوسخة مهما تغيرت الظروف؟
سؤال مطروح للإجابة عليه من خلال الممارسة على الأرض من قبل السوريين الشرفاء الذي عانوا من الذل والهوان طوال أكثر من خمسة عقود من عمر النظام البعثي الشوفيني البغيض.
—————————————-
أحمـــــــد قاســـــــم
2\9\2015