بقلم عبدالعزيز التمو / مثل كل السوريين أقف في بداية هذا العام متأملا أهم الأحداث والتطورات التي شهدها بلدنا العزيز سوريا في الاثني عشر شهرا المنصرمة، لأستخلص الدروس والعبر وأحاول أن أتـنبأ بما تخبئه الأيام في العام الجديد. و أجتهد وأقول منذ البداية إن التاريخ المعاصر لم يشهد وقد لا يشهد أسوأ من عام 2013 على مجمل المواطنين في سوريا من المالكية اقصى الشمال الشرقي الى درعا في الجنوب ومن حلب في الشمال الى جبل الاكراد والتركمان في الغرب، لقد استبشرنا في عام 2011 بأنه عام التحولات الكبرى وعام الشباب بامتياز لأنه شهد سقوط أربعة من الطغاة العرب وكان الطاغية الخامس على ابواب السقوط . وعام 2012 بأنه عام صراع بين المواطن السوري والطاغية والسلطان، لأن الأمور كانت بداية الحسم لصالح الشعب وليس للطاغية الاسدي، أما هذا العام فقد وقع المواطن السوري العادي بين مطرقة الطاغية الذي استرد بعض مواقعه، إما عن طريق تعميم الفوضى أو استخدام القوة المفرطة، وبين سندان الجماعات التكفيرية ( داعش واخواتها )التي بدأت تفرض أجنداتها المشبوهة بقوة السيف والمتفجرات. لقد ساهم هؤلاء التكفيرين الذين تجمعوا في قلب هذا الوطن ‘من كل لِسْنٍ وأمة – فلا يفهم الحديث إلا المترجم’، بشكل مباشر أو غير مباشر، في دعم الطاغية على استرداد بعض مواقعهم. فبقدر ما كان عام 2013 عام الطغيان المطلق والارتداد على ثورة الشعب السوري دخل عامل التكفيري وفتاواه الجاهزة لجز الرقاب ورجم الفتيات وإقامة الحد بطريقة رعناء لا تنتمي إلى دين أو عقيدة أو حضارة لتزيد الصورة قاتما ومأساوية، لدرجة أن أصبح بعض المواطنين يتمنون رمضاء الطاغية على نار التكفيريين والمتطرفين التي لا تبقي ولا تذر. من أين نبدأ الحديث عن رزمة المآسي التي يعاني منها الشعب السوري منذ أن قامت الجماهير العادية بتحدي نظام الطغيان لأنه تتوق للحرية والكرامة أسوة ببقية شعوب الدنيا؟ في العام المنصرم توسعت عمليات العقاب الجماعي لكل من جاهر بصوته وهتف للحرية والكرامة والتعددية والديمقراطية الرشيدة واجتثاث مافيات البعث الفاسد وحكم العائلة وتوريث الأبناء المدللين. لقد اعتقدنا في في عام 2011 بأن نهاية عصر الذل والخنوع والتفتيت وهدر الأموال والهزائم والتشرد والطائفية البغيضة والانصياع لإملاءات الأجنبي والفساد غير المسبوق قد بدأت وأن حلكة الظلام لا بد إلا أن يمحوها بزوغ الفجر. ورغم كل المنكدات والعوائق بقيت شهيتنا مفتوحة في العام الثاني ببزوغ فجر جديد لهذ الشعب الذي سفهها مجموعة من الجهلة والقتلة والمتخلفين ذهـنيا وجسديا. بتنا نحلم، ومن حقنا أن نحلم، أن عهد الطغاة الأكثر رعونة ووقاحة يكاد ينتهي كما انتهى من قبله طغاة أوروبا الشرقية وأمريكا اللاتينية وأفريقيا. لكن التمنيات شيء والواقع شيء آخر. وماذا نقول عن بلدنا؟ وهل بقي فيها شيء لا يستحق البكاء؟ ألا يكسر القلب أن يودع العام الحالي بمجزرة مروعة في حلب الشهباء بواسطة البراميل المتفجرة والطائرات التي تحصد المئات يوميا ولا يتحرك أحد ولا يصرخ أحد؟ المصيبة أن الرد أحيانا يأتي من القوى الظلامية التي تنتقم لقتل المدنيين الأبرياء بقتل مقاومين أبرياء آخرين، فالضحية في الحالتين أطفال ونساء وشيوخ ومرضى ومصابون وشباب سوريون . لقد وجد الشعب السوري أو ما تبقى منه أنه ضحية لنظام لا يرحم وعلى استعداد حقيقي أن ‘يحرق البلد’، كما وعد، وحركات تكفيرية صنعها وادخلها إلى سوريا لتدفع بأجنداتها الغريبة على حساب الشعب السوري ونسيجه العرقي والديني والثقافي المتنوع. من أين ستكون نهاية المأساة وبداية الحل؟ من جنيف 2 في الثاني والعشرين من الشهر الحالي للعام الجديد؟ أم من هزيمة التكفيريين الذين ساهموا في إعادة تأهيل النظام، حيث وضعوا القوى المتنفذة أمام خيارين- كان إعادة تأهيل النظام الخيار الأقل ضررا على مصالحهم، خاصة بعد أن تخلى بسرعة البرق عن ترسانته الكيميائية التي أعدها للوصول إلى مرحلة توازن الرعب مع العدو الاسرائيلي. هل ستكون النهاية في هزيمة عسكرية للنظام؟ وهل سيسمح حلفاء النظام الأساسيون بهزيمته عسكريا؟ ألم يمدوا له العون في ‘القصير’ عندما فشل الجيش النظامي باستردادها من المعارضة فتطوع حلفاؤه بحزب الله بهذه المهمة؟ إذن تقف سوريا على حافة الانهيار البنيوي الشامل للدولة والشعب والسلطة، لتستبدل بدولة اسلامية اسموها العراق والشام واحزاب قومية تبني ادارتها الذاتية ، وسلطات متناحرة ،إذا لم يتم إنقاذ الموقف في جنيف وبضمانة الدول الفاعلة ودول الجوار كما حدث في مؤتمر دايتون حول الحرب الأهلية في البوسنة في تشرين الثاني/نوفمبر عام 1995. حيث نتذكر أن الرئيس الصربي سلوبودان ميلوسوفيتش شارك في المؤتمر، وبعد انتهاء الحرب وضعت السلاسل في يديه وشحن إلى المحكمة الجنائية الدولية ليقضي بقية عمره فيها. لا يكفي ان نسرد كل تلك المصائب خاصة أن الدولة اصبحت خارج التغطية في المناطق المحررة واصبحت الكتائب المسيطرة عليها عاجزة عن تقديم الخدمات الأساسية للمواطنين مما شجع الانضمام إلى تلك العناصر المتطرفة. ثلاث سنوات على انطلاقة الثورة السورية التي حولها الطاغية وأعوانه من الإيرانيين وميليشياتهم والروس ، إلى حقول موت لكل من ينشد الحرية والكرامة والمواطنة والمساواة. والرسالة التي يعملون على فرضها على الشعب السوري هي ‘اقبل بحياة الذل والهوان تحت أرجل الطاغية وإلا سلمناك للفوضى والجماعات التكفيرية التي لا ترحم ولا تخاف ولا تغفر ولا تساوم’. وفي النهاية ستبقى في الذاكرة أن في هذا العام الرديء كيف تكالبت قوى الشر والعدوان وقوى الانتهازية الدولية على الشعب السوري ومررت مجزرة الكيمياوي دون عقاب وحللت الدم السوري لأجل انهاء ازماتها المتفاقمة على مر السنين . وتحية في النهاية للسوريين الابطال الذين قدموا دمائهم الزكية الطاهرة على مذبح حرية شعبهم ولا ننسى الالاف المؤلفة من المعتقلين والمعوقين ورزان زيتونة ورفاقها وجميل عمر ابو عادل وغيرهم من مختطفي قوى الظلام الداعشين وعبيد المستبدين لحساب اسيادهم ، وابطال الجيش الحر ليسجلوا صورة رائعة في النضال ويثبتوا أن هناك بديلا للخنوع والذل إذا ما قررت اليد أن تناطح الاستبداد بالإرادة التي لا تكل ولأتكسر. عبد العزيز التمو 4/1/2014