(رويترز) – انضمت بريطانيا إلى حملة الغارات الجوية التي تقودها الولايات المتحدة ضد تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا يوم الخميس في الوقت الذي ندد فيه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بتركيا مجددا وبشدة لإسقاطها طائرة حربية روسية فيما يظهر حدود أي تضامن دولي.
.
وأقلعت مقاتلات بريطانية من النوع تورنادو من قاعدة سلاح الجو الملكي البريطاني في أكروتيري بقبرص قبل الفجر بعد ساعات من موافقة البرلمان بأغلبية 397 صوتا مقابل 223 على خطة رئيس الوزراء ديفيد كاميرون لتوسيع نطاق الغارات الجوية التي تشنها بلاده في العراق لتشمل سوريا. وقالت بريطانيا إنها قصفت حقول نفط تستخدم لتمويل الدولة الإسلامية.
وقال وزير الدفاع البريطاني مايكل فالون “يوجد الكثير من تلك الأهداف في أنحاء شرق وشمال سوريا نأمل في قصفها خلال الأيام والأسابيع القليلة المقبلة.”
وتشكل المساهمة البريطانية جزءا صغيرا من التحالف الذي تتزعمه واشنطن والذي يقصف الدولة الإسلامية في العراق وسوريا منذ أكثر من عام بمئات المقاتلات. وقبل ذلك شاركت فرقة بريطانية صغيرة في غارات بالعراق لكن ليس في سوريا.
وحتى الآن فشلت الغارات في طرد المتشددين من مساحات كبيرة من الأرض أعلنوا عليها الخلافة الإسلامية رغم أن واشنطن وحلفاءها يقولون إنهم ساعدوا في وقف تقدم المقاتلين.
وأعلنت واشنطن أنها ستنشر المزيد من أفراد القوات الخاصة لشن غارات في العراق وسوريا وللمساعدة في تحديد أهداف الغارات الجوية. وقال الرئيس الأمريكي باراك أوباما في مقابلة إن هذا لا يعني هجوما بريا واسع النطاق كالذي نفذته القوات الأمريكية في غزو العراق عام 2003 “بإرسال كتائب تتحرك عبر الصحراء”.
.
وأضاف في مقابلته مع شبكة (سي.بي.إس) الإخبارية “لكني أبدي وضوحا شديدا في أننا سنضيق الخناق دوما على داعش (الدولة الإٍسلامية) وسندمرها في النهاية وهذا يتطلب منا توفير مكون عسكري لفعل ذلك.”
ورغم أن موافقة بريطانيا لا تضيف سوى قدرة عسكرية متواضعة للتحالف فإنها اكتسبت أهمية سياسية ودبلوماسية أكبر منذ قتل مسلحون وانتحاريون 130 شخصا في باريس الشهر الماضي.
.
ودعت فرنسا القوة العسكرية الرئيسية الأخرى في أوروبا إلى التضامن معها في توسيع نطاق العمليات العسكرية وقال كاميرون إن رفض البرلمان سيكون تنصلا من المسؤولية.
وتنفذ طائرات لغالبية القوى العالمية مهام قتالية في العراق وسوريا حاليا ضد الدولة الإسلامية. لكن التوافق على الخطوة التالية تعرقله السياسات المتعارضة بشأن الحرب الأهلية الدائرة بسوريا منذ أربع سنوات حيث قتل نحو ربع مليون شخص وشرد 11 مليونا وانتقلت السيطرة على مساحات كبيرة لمقاتلين متشددين كما فشلت كل الجهود الدبلوماسية للوصول إلى حل.
وتشن روسيا غارات في سوريا بمعزل عن التحالف الذي تقوده أمريكا وتدعم هي وإيران الرئيس السوري بشار الأسد بينما تريد الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوروبيون ودول عربية وتركيا رحيله ويدعمون معارضيه.
* “الله حرم الأتراك من الحكمة”
بعد أن أعلنت الدولة الإسلامية المسؤولية عن الهجمات في باريس وعن إسقاط طائرة ركاب روسية في مصر الشهر الماضي تحرك قادة العالم جاهدين للتغلب على خلافاتهم وتوحيد حملاتهم العسكرية ضد المتشددين.
.
لكن مساعي الوحدة تلقت ضربة قوية الأسبوع الماضي حين أسقطت تركيا العضو بحلف شمال الأطلسي طائرة حربية روسية. وقتل أحد طياريها كما قتل جندي روسي في مهمة لإنقاذ الآخر.
وقال بوتين يوم الخميس في خطاب حالة الاتحاد السنوي “يبدو أن الله قرر أن يعاقب الزمرة الحاكمة في تركيا بحرمانها من الحكمة والبصيرة.”
.
وردت موسكو بالفعل بإجراءات بينها عقوبات على بعض الخضراوات والفاكهة التي تستورد من تركيا وفي تعليقاته الحادة أوضح بوتين أن تلك العقوبات لن تكون الأخيرة.
وقال “إذا اعتقد أي شخص أن ارتكاب جريمة الحرب النكراء هذه وقتل أبنائنا سيمر ببعض الإجراءات التي تتعلق بالطماطم (البندورة) أو فرض بعض القيود على الإنشاءات وقطاعات أخرى فإنه مخطئ تماما.”
واضاف بوتين أن تركيا ستندم “كثيرا” على أفعالها. وبعد دقائق من خطابه أعلن وزير الطاقة الروسي وقف مشروع لإنشاء خط أنابيب للغاز.
واتفقت قوى عالمية على أن الغارات الجوية وحدها لن تقهر الدولة الإسلامية لكنهم اختلفوا على الفصيل الذي يدعمونه على الأرض حيث تدعم موسكو الجيش السوري بينما يؤيد الغرب خصومه.
وقال وزير الخارجية الأمريكي خلال اجتماع لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا في صربيا “أعتقد أننا نعلم أنه دون القدرة على إيجاد بعض القوات البرية المستعدة للإجهاز على داعش (الدولة الإسلامية) فلن نتمكن من تحقيق النصر الكامل من الجو.”
لكنه أضاف حين سئل هل كان يقصد قوات برية من دول غربية “أتحدث عن سوريين وعرب كما نقول دائما.”
وتقول موسكو إن هدفها الرئيسي هو الدولة الإسلامية لكن معظم غاراتها كانت ضد فصائل أخرى معارضة للأسد الكثير منها مدعوم من حلفاء أمريكا وبينهم تركيا.
.
ومنذ إسقاط الطائرة الروسية أغضبت موسكو أنقرة بزعمها أن لتركيا صلات بالدولة الإسلامية. وحولت روسيا الحديث يوم الأربعاء لمنحى شخصي بالقول إن عائلة الرئيس التركي طيب إردوغان تنتفع بشكل مباشر من تهريب النفط المنتج من أراض تسيطر عليها الدولة الإسلامية.
ورفض إردوغان الاعتذار عن إسقاط الطائرة الروسية التي تقول تركيا إنها دخلت المجال الجوي التركي وتجاهلت تحذيرات متكررة. وتقول موسكو إن الطائرة أسقطت فوق سوريا دون مبرر.
وغضبت تركيا من استهداف روسيا لمعارضين في سوريا لا علاقة لهم بالدولة الإسلامية خاصة التركمان في قرى قرب الحدود تربطهم صلات بالأتراك.
وسعى إردوغان للقاء بوتين على هامش قمة المناخ في باريس هذا الأسبوع لكن طلبه رفض كما لم يرد بوتين على اتصالاته الهاتفية.
.
* نقاش
أظهر النقاش في بريطانيا حول توسيع نطاق الغارات الجوية ليشمل سوريا كيف تحول هذا الموضوع إلى قضية مشحونة بالتوتر للسياسيين الغربيين إذ لا توجد حلول سهلة لحرب أهلية تسببت في أكبر أزمة لاجئين منذ الحرب العالمية الثانية ودفعت آلاف الشباب الساخطين من دول غربية للانضمام لدعم قضية الجماعات المتشددة.
وبعد 15 عاما قتل خلالها مئات الجنود البريطانيين أثناء معارك خاضتها بلادهم بالعراق وأفغانستان في تحالف مع الولايات المتحدة يشعر الكثيرون في بريطانيا بالقلق من حرب أخرى.
.
وقسم التصويت حزب العمال البريطاني المعارض إذ رفضه زعيم الحزب جيريمي كوربين لكن المتحدث باسم الحزب للشؤون الخارجية هيلاري بين أيد الغارات. وتحدى نحو ثلث نواب حزب العمال رأي كوربين وصوتوا لصالح الضربات.
وقال بين في خطاب عاطفي قوبل بعاصفة من التصفيق في مجلس العموم “ينبغي أن نتصدى لهذا الشر الآن. حان الوقت الآن لنقوم بدورنا في سوريا.”