البارزاني و تأليف مسرحية الرئاسة
كوردستريت نيوز || مقالات
بقلم : الكاتب الامازيغي يوسف بو يحيى
الإنسان يخطئ و هذا شيء حتمي ما دمنا بشر لا ملائكة ،خلاله يكون لكل إنسان وجهة نظر مختلفة وفق زاوية الرؤية و الحمولة الفكرية و البعد و التجربة التي تختلف من إنسان إلى آخر ،ومن هذا المبدأ هناك من سيواقفني الرأي و هناك من سيعارضني بخصوص قولي أن “مسعود بارزاني” كان يعرف مسبقا أن مرشح “البارتي” لن يفوز بمنصب رئاسة الجمهورية العراقية لأسباب عدة سأسردها بالتدقيق على شكل نقط في هذه الأسطر.
الحقيقة أن حزب “البارتي” بقيادة البارزاني لم يفكر يوما في منصب رئاسة الجمهورية عوضها كان يفضل رئاسة إقليم كوردستان ،فلو كان حقا البارزاني يريد رئاسة العراق لقبل بعرض قيادات بغداد بالإجماع عندما عرضوا عليه المنصب بشكل مباشر دون إنتخاب ،حينها أجاب بقوله “لا أريد المنصب بل حقوق شعبي” ،ويبقى البارزاني وحده من يعلم و يقرأ و ينقب فيما يريد كونه الوحيد من يعرف المعادن البشرية التي تنتج العراق و كوردستان.
_النقطة الأولى
أقسم بالله ثم أقسم بالله ثم أقسم بالله أن “مسعود بارزاني” كان يعلم جيدا أن الكتل العراقية العربية الشيعية و السنية التي جاءت لتتحالف معه أمثال “الصدر” و “العبادي” و “الحكيم” لن يصوتوا على مرشح “البارتي” مهما كان الأمر ،كون هؤلاء كانوا ضد الإستفتاء و أي عنصر من حزب الإستفتاء في قاموسهم لن يعتلي مناصب الدولة عن طريق أصواتهم ،لهذا فخطة البارزاني من وراء هذه المسرحية التي تعمد نسج خيوطها أن يكتشف بشكل ملموس ما يخفيه كل من “الصدر” و “الحكيم”…الذين هم حلفاء الغد في الحكومة الإتحادية ،بهكذا وضعهم أمام الواقع ،ومنه البارزاني سيقيد تحالفه بشروط تضمن لحزبه مناصب سيادية يستطيع من خلالها أن يؤثر في الساحة العراقية (وزارة الخارجية….).
لقد إستطاع البارزاني أن يكتشف حقيقة بقية قادة بغداد بعد ان فضح معدن السابقين “المالكي” و “العامري” و “العبادي”…
_النقطة الثانية
لقد إكتشف البارزاني أن حزب الإتحاد الوطني الكوردستاني “اليكتي” لن يصوت له نهائيا ،ولن يتنازل له مهما كانت الإتفاقيات بينهما ،والدليل على ذلك عندما إمتنع نواب حزب “اليكتي” عن التصويت لمرشح حزب “البارتي” لمنصب نيابة رئاسة البرلمان العراقي ،علما أن توقيت التصويت لنيابة البرلمان كان الحزبين في إتفاق دون أي خرق و مشكل ،لهذا فمادام نواب اليكتي لم يصوتوا في غضون الإتفاق فكيف سيصوتون وهم في موقف إختلاف و خلاف مع البارتي!!.
البارزاني لم يكن غبيا إلى هذه الدرجة ،بل رمى الطعم لقادة اليكتي بعقد إتفاق قبل دخول البرلمان ليشوهه و يورطه في خيانة جديدة كما في “كركوك” ،علما أن البارزاني يعلم جيدا أن مرشحه خاسر حتى إذا تم سحب مرشح “اليكتي” ،بحكم أن نواب الشيعة و أغلبية السنة و الكتل الكوردية “كوران”…ستصوت لمرشح آخر و لن تصوت لمرشح حزب الإستفتاء و الإستقلال “البارتي”.
_النقطة الثالثة
إذا لاحظنا جيدا و إستنادا إلى الدستور الإتحادي العراقي الذي يقر على أن منصب رئاسة الجمهورية العراقية من مستحقات الكتل الكوردية ،والذي ينص قانونيا على أن المرشح يتم تعيينه من طرف الكتلة الأكبر أو عن طريق إنتخابات الكتل الكوردية فيما بينها ،لكن البارزاني غض الطرف عن مشاركة الكتل العربية و التركمانية العراقية من كل الإئتلافات “سائرون” و “البناء” و غيرها ،ذلك لأهداف كثيرة منها كشف نية الأطراف التي تمد يدها قصد التحالف لتشكيل الحكومة و العمل بشكل واقعي معها ،ومسألة مسرحية رئاسة الجمهورية كانت مجرد طعم صغير لإكتشاف العمق و الباطن.
_النقطة الرابعة
إن سياسة البارزاني عميقة جدا و بعيدة المدى لا يمكن ان يفهمها السطحي ،فمثلا إصراره إلى النزول للجبهة دفاعا على “كركوك” رغم أن الجميع علم بأن هناك مؤامرة أحيكت ضده و شعب كوردستان ،لكنه نزل إلى الأرض و كشف عورة “الطالبانيين” للشعب الكوردي ،من خلالها كسب البارزاني رأي الشارع الكوردي ،وحقق إنتصارين كاسحين في الإنتخابات سواء العراقية و الكوردستانية.
نفس الشيء الذي فعله “نيجرفان بارزاني” بعد أن عقد إتفاق على الواقف بساعة قبل دخول البرلمان العراقي ما زاد من تشويه و إنحطاط اليكتي في نظر شعب كوردستان.
هنا أرغب في أن أنوه للقراء أن سياسة البارزاني ليست تكتيكية و مرحلية قصيرة بل إستراتيجية بعيدة المدى ذات نفس طويل عميق جدا.
_النقطة الخامسة
البارزاني يعرف جيدا أن “اليكتي” سيخرق أي إتفاق إذا تعلق الأمر بمشروع كوردي يعارض إيران ،إلا أنه (البارزاني) ساير الوضع متظاهرا بالغباء ليضع “اليكتي” أمام واقع الشعب مجددا ،ماقد يجنيه على نفسه بعدم إشراكه و إبعاده من العملية السياسة في حكومة كوردستان ،والتي ستشكل غالبا على يد “البارتي” و بعض الأحزاب الصغيرة ذات المواقف الوطنية.
بذلك سيتفرد البارتي بالقرارات السياسية و تمرير القوانين عبر البرلمان و إضعاف تأثير “اليكتي” سياسيا.
_النقطة السادسة
إن كرات البارزاني في ملعب العراق أهدافها يعود صداها لكوردستان ،فإذا كان “برهم صالح” يرى عمقه في بغداد فالبارزاني عكسه يراه في كوردستان ،لهذا فكل تلك المسرحيات التي يتظاهر بها “البارتي” في العراق لتوريط “اليكتي” و كشف الحقيقة ماهي إلا خطط لتحشيد الرأي الكوردي للفوز برئاسة كوردستان و الحكومة و محافظة “كركوك” من أجل العمل على مصلحة كوردستان.
_النقطة السابعة
أظن أن الجميع لاحظ كيف إلتزم قادة “البارتي” الصمت في برلمان العراق إلى حين بدأت عملية إنتخاب رئيس الجمهورية ،وبعدها تم إصدار بيان رسمي من الزعيم “مسعود بارزاني” في منتصف توقيت الإنتخابات يرفض فيه الطريقة و الآلية الممنهجة في الإنتخابات ،هنا يمكن أن نتساءل بشكل إستنكاري هل مثلا “نيجرفان بارزاني” و وفد “البارتي” القانوني كانوا جاهلين بالبند القانوني!!.
الحقيقة أن ذلك الصمت تم بتعمد من قيادات “البارتي” جميعا لأهداف أسلفت ذكربعضها في الأول ،وأهم هذه الأهداف الإحتفاظ بالكورة إلى أن يقتح ملعب تشكيل الحكومة الإتحادية.
_النقطة الثامنة
إن مسألة أخرى تكمن في أن شخص رئيس الجمهورية يؤدي القسم بالحفاظ على وحدة العراق ،بالمقابل كيف لمرشح “البارتي” أن يتعهد بهذا الوعد في وطن تحكمه ميليشيات إيرانية عبثية ،ومن جهة أخرى كيف له أن يؤدي يمين الوحدة وهو مرشح حزب يناضل لأزيد من 72 سنة سياسيا من أجل الإستقلال!!؟.
لهذا كان موقف البارزاني من رئاسة العراق موقفا قاطعا بينما رحب برئاسة كوردستان كبديل عنها.
من جهة أرى ان البارزاني لم يكن يطمح لرئاسة العراق كونه يعرف تحديات العراق و مشاكله الغير المنتهية ،كما يراها كذلك تضييعا للوقت و إستنزافا للطاقة التي يجب أن تبدل في بناء كوردستان و ليس العراق.
لقد عبر البارزاني في أكثر من مناسبة أن رئاسة العراق لا تعني له شيئا و لا يطمح لها حزبه و ليست من بين أهدافه السياسية.
_النقطة التاسعة
إن “البارزاني” كان يعرف جيدا أن “برهم صالح” فرض لمنصب الرئاسة بقرار إيراني و مباركة أمريكية ،لهذا فضل أن يشارك مرشح “البارتي” كضيف شرف لإكتشاف المحظور و المخفي ،خلال ذلك تأكد جيدا و مجددا من مدى توافق إيران و أمريكا إستراتيجيا على الأرض ،بالضبط كما فعلتا لدعم “المالكي” سابقا للوصول إلى السلطة بتنسق ثنائي ،من كل هذا غير مستبعد أن يلعبها “البارزاني” دون إشراك “اليكتي” حفاظا عن المسار السياسي الكوردستاني ،وتفاديا لأي إنسحابات من الحكومة في الأوقات الحساسة و الحرجة.
_النقطة العاشرة
خلاصة القول بخصوص نظرة “مسعود بارزاني” و حدسه الثاقب في كشف مخطط “داعش” قبل ظهورها بخمس سنوات ،وكشف مخطط عراقي_إيراني للهجوم على كوردستان مباشرة بعد تحريرها من داعش سواء بالإستفتاء أو بدونه…،فهل يعقل أن يثق بالذين حاربوه بشتى الوسائل و الطرق!! ،ويصدق بأنهم سيصوتون لحزبه!! ،الجواب أن هذا هراء لأن البارزاني كان يعرف جيدا النتيجة و موقفهم و عدم فوز مرشحه لكنه خاض اللعبة لأهداف تطلعية أكبر.