ربما، بل المؤكد، أن بعض الذين يتحدثون عن الحل السياسي للأزمة السورية، التي غدت أكثر تعقيدا من ذنب الضب، وليس كلهم، يخيطون بالمسلة إياها ونفسها التي تخيط بها روسيا الاتحادية ويخيط بها تحديدا وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، فالمقصود هو إعادة إنتاج وتسويق نظام بشار الأسد وكأن شيئا لم يحدث، وكأن سوريا لم تشهد كل هذه المذابح التي شهدتها على مدى نحو أربعة أعوام ولم يحل بها كل هذا الخراب الذي حول مدنها الكبرى والصغرى إلى ما يشبه «هيروشيما» ثانية.
كان الواضح منذ البدايات، منذ جريمة التبشيع بأطفال درعا المرعبة حقا وفعلا، أن بشار الأسد يرفض رفضا قاطعا ومانعا أي حلول تُزحزحهُ عن سلطة قمعية دموية ورثها من والده ولو بمقدار قيد أنْملة، فهو كان سمع من كل المحيطين به من مسؤولين وقادة أجهزة أمنية ومن أقارب وأبناء عمومة وخؤولة وأيضا من بعض المصابين بداء المذهبية المقيتة أنه لا يجوز ولا يحق له أن يفرِّط في حكم أوصله إليه أبوه بعد مذابح دامية أبشعها مذبحة حماه الشهيرة عام 1982، حتى ولو اضطر إلى إبادة نصف الشعب السوري وأكثر، وذلك لأن الفرص التاريخية لا تتكرر، ولأن «أمرا» انتهى إلى يده يجب ألا يتخلى عنه حتى وإنْ غرقت سوريا في الدماء حتى شوشة رأسها، وحتى وإنْ أصبح الشعب السوري بغالبيته من سكان المقابر، وحتى وإنْ لم يبقَ في هذا البلد حجر على حجر!
لقد سمع بشار الأسد، فور وقوع جريمة درعا في مارس (آذار) 2011، من كل المحيطين به أن هذا الحكم أصبح في يد الفئة الحاكمة والمتحكمة من أبناء الطائفة العلوية، التي من الواضح أنها ستدفع الثمن غاليا إن لم يتدارك عقلاؤها الأمور قبل أن تصبح الحلول العقلانية غير ممكنة ومستحيلة، بعد انتظار طال أمده وبعد تضحيات جسيمة إنْ في بدايات هذه المرحلة التاريخية وإن في العصور الغابرة، ولذلك فإن التفريط فيه مهما حدث وحصل سيكون جريمة ما بعدها جريمة.
ولهذا فقد تعامل بشار الأسد مع ما يسمى الربيع العربي منذ البداية وعلى مدى نحو أربعة أعوام سابقة على أساس نصيحة والده، التي نقلها إليه المحيطون به، والتي ربما أنه سمعها منه مباشرة، القائلة إن هذا الشعب «يخاف ولا يختشي»، وإن مذابح «حماه» في عام 1982 هي التي ضمنت لهذه العائلة ولهذه «الطائفة» كل هذه الفترة الطويلة من الحكم وإنْ باسم حزب البعث الذي بقي خلال كل هذه الفترة مجرد شاهد زور ومجرد عباءة تدثر بها هذا النظام في عهد الوالد وفي عهد ابنه لإخفاء حقيقته المذهبية والطائفية ولتحميله، أي هذا الحزب، كل الجرائم التي ارتُكبت بعد «الحركة التصحيحية» في عام 1970 وأيضا قبلها.
ولذلك فإنه على الذين يتحدثون الآن عن الحلول السياسية للأزمة السورية «التي تحفظ لهذا البلد تماسكه ووحدته»! أن يضعوا في اعتبارهم أن الحل الذي يريده بشار الأسد والذي تصر عليه روسيا الاتحادية، حتى بعد تورطها في الأزمة الأوكرانية، وتصر عليه إيران أيضا حتى بعد تخليها عن نوري المالكي وبعد إخفاء مخالبها الحادة بـ«قفازات» مخملية، هو حلُّ إعادة إنتاج هذا النظام مع بعض «الزرْكشات» الديكورية التي تضمن وصوله إلى ابنه «حافظ» الصغير كما أوصله أبوه إليه!
لقد كانت هناك محاولات جادة عربية وغير عربية لضمان حلٍّ سياسي لهذه الأزمة عندما كانت لا تزال في بداياتها، لكن كل هذه المحاولات كان مصيرها الفشل لأن بشار الأسد لم يحتمِلْ حتى ما نُسب إلى نائبه فاروق الشرع الذي اختفى من الوجود والذي «ذهب ولم يعد». ثم ولقد كانت هناك محاولة «جنيف الأول» و«جنيف الثاني»، والتي لم يعد حتى أصحابها يتحدثون عنها أو يتذكرونها، والتي حاول سيرغي لافروف حرفها عن مسارها وتحويلها إلى مؤتمر للتصدي لـ«الإرهاب». وبالطبع فإن المقصود بالإرهاب لم يكن لا «القاعدة» ولا ما سمي لاحقا «داعش»، وإنما هذه المعارضة السورية المعتدلة التي تسعى إلى وحدة البلاد والعباد والتي ترفض رفضا قاطعا تحميل الطائفة العلوية الكريمة وِزْر نظام ولَغَ في دماء شعب من المفترض أنه شعبه حتى الثمالة.
ولعل ما يدعو إلى التعجب والاستغراب أن الأميركيين ومعهم بعض دول الاتحاد الأوروبي، وربما بعض العرب أيضا، يتحدثون عن بعض الخيارات بإمكانية مشاركة نظام بشار الأسد في حرب داحس والغبراء التي تشنها الولايات المتحدة على «داعش»، وكل هذا مع أن هؤلاء يعرفون أن هذا النظام هو من أنتج «داعش» السورية، وأنه هو وليس غيره من وقف وراء هذه الظاهرة الإرهابية في سوريا وفي العراق أيضا، وأنه كان يخطط لمثل هذا اليوم ولمثل هذا المنطق عندما قال منذ البدايات إنه لا يواجه معارضة معتدلة حقيقية وإنما يواجه إرهابا لا يملك أي تصور لحل الأزمة السورية إلا تصور القتل والذبح والتدمير.
وهكذا فإن الولايات المتحدة ستكتشف، ومعها بعض العرب وبعض الأوروبيين، أي حماقة وأي جريمة قد ترتكبها إن هي فكرت حتى مجرد تفكير في الاستعانة بنظام لا يستطيع، حتى وإنْ هو استخدم كل منظفات الكرة الأرضية، إزالة دماء مئات الألوف من أبناء الشعب العربي والشعب السوري ودماء أبناء الشعب الفلسطيني والشعب اللبناني والعراقي عن يديه، فالإرهابي الأساسي هذا النظام.. وهو أيضا إذا أردنا قول الحقيقة بلا وجل ولا خجل هو إيران الخامنئية وروسيا الاتحادية.
حتى الآن وحتى هذه اللحظة فإن هناك قوات نظامية إيرانية وميليشيات مذهبية وطائفية تشارك نظام بشار الأسد في المذابح التي بقي يرتكبها على مدى نحو أربعة أعوام ماضية، وحتى الآن فإن روسيا الاتحادية، رغم ورطتها القاتلة في أوكرانيا، لا تزال تشكل السند الرئيسي لهذا النظام بالأسلحة والمتفجرات وبالخبراء والمستشارين العسكريين والمخابراتيين وبالدبلوماسية الهجومية التي حولت مجلس الأمن إلى مجلس كسيح لا يستطيع أن يفعل شيئا لحل الأزمة السورية الحل المعقول والمقبول الذي يحقق للشعب السوري ولو جزءا من مطالبه المشروعة وأولها تطبيق توصيات «جنيف الأول» التي يبدو أنها غدت نسيا منسيا ولم يعد يذكرها لا الأميركيون ولا غيرهم.
لذلك، وفي النهاية، فإنه على الأميركيين، الذين بترددهم وتقاعسهم قد أوصلوا سوريا والعراق والمنطقة كلها إلى هذه الأوضاع المأساوية، أن يدركوا أن محاربة «داعش» و«النصرة» وكل هذا الإرهاب الذي غدا يسرح ويمرح في الشرق الأوسط كله وفي كل مكان، تبدأ بدعم المعارضة السورية المعتدلة والجيش السوري الحر وبإخراج إيران من العراق وكنْس كل بقايا مرحلة نوري المالكي التي هي امتداد لمرحلة «بريمر»، وإنهاء صيغة «المحاصصة» التي إن هي استمرت فإنها ستأخذ بلاد الرافدين إلى التشظي والانقسام.
إن كل هذا القصف الجوي، على أهميته، لا يمكن أن ينهي «داعش» ولا يمكن أن يقضي على الإرهاب، فهذا السرطان القاتل الذي أصبح يتفشى في هذه المنطقة نتيجة تقاعس الولايات المتحدة وترددها لا يمكن إزالته إلا بعملية استئصالية، وهذا يتطلب دعما حقيقيا للشعب السوري، كما يتطلب الإسراع في توحيد وتسليح المعارضة السورية المعتدلة التي لا شك في أنها لو توافر لها الدعم الضروري، الذي هي في أمس الحاجة إليه، لما كانت هناك لا «داعش» ولا «النصرة» ولا كل هذه الشراذم الفوضوية، ولما بقي نظام بشار الأسد صامدا حتى الآن، ولَتم قطع شوط طويل على طريق المرحلة الانتقالية التي نص عليها مؤتمر جنيف الأول، والتي أكدها مؤتمر جنيف الثاني.
وهكذا فإن الولايات المتحدة ستكتشف، ومعها بعض العرب وبعض الأوروبيين، أي حماقة وأي جريمة قد ترتكبها إن هي فكرت حتى مجرد تفكير في الاستعانة بنظام لا يستطيع، حتى وإنْ هو استخدم كل منظفات الكرة الأرضية، إزالة دماء مئات الألوف من أبناء الشعب العربي والشعب السوري ودماء أبناء الشعب الفلسطيني والشعب اللبناني والعراقي عن يديه، فالإرهابي الأساسي هذا النظام.. وهو أيضا إذا أردنا قول الحقيقة بلا وجل ولا خجل هو إيران الخامنئية وروسيا الاتحادية.
حتى الآن وحتى هذه اللحظة فإن هناك قوات نظامية إيرانية وميليشيات مذهبية وطائفية تشارك نظام بشار الأسد في المذابح التي بقي يرتكبها على مدى نحو أربعة أعوام ماضية، وحتى الآن فإن روسيا الاتحادية، رغم ورطتها القاتلة في أوكرانيا، لا تزال تشكل السند الرئيسي لهذا النظام بالأسلحة والمتفجرات وبالخبراء والمستشارين العسكريين والمخابراتيين وبالدبلوماسية الهجومية التي حولت مجلس الأمن إلى مجلس كسيح لا يستطيع أن يفعل شيئا لحل الأزمة السورية الحل المعقول والمقبول الذي يحقق للشعب السوري ولو جزءا من مطالبه المشروعة وأولها تطبيق توصيات «جنيف الأول» التي يبدو أنها غدت نسيا منسيا ولم يعد يذكرها لا الأميركيون ولا غيرهم.
لذلك، وفي النهاية، فإنه على الأميركيين، الذين بترددهم وتقاعسهم قد أوصلوا سوريا والعراق والمنطقة كلها إلى هذه الأوضاع المأساوية، أن يدركوا أن محاربة «داعش» و«النصرة» وكل هذا الإرهاب الذي غدا يسرح ويمرح في الشرق الأوسط كله وفي كل مكان، تبدأ بدعم المعارضة السورية المعتدلة والجيش السوري الحر وبإخراج إيران من العراق وكنْس كل بقايا مرحلة نوري المالكي التي هي امتداد لمرحلة «بريمر»، وإنهاء صيغة «المحاصصة» التي إن هي استمرت فإنها ستأخذ بلاد الرافدين إلى التشظي والانقسام.
إن كل هذا القصف الجوي، على أهميته، لا يمكن أن ينهي «داعش» ولا يمكن أن يقضي على الإرهاب، فهذا السرطان القاتل الذي أصبح يتفشى في هذه المنطقة نتيجة تقاعس الولايات المتحدة وترددها لا يمكن إزالته إلا بعملية استئصالية، وهذا يتطلب دعما حقيقيا للشعب السوري، كما يتطلب الإسراع في توحيد وتسليح المعارضة السورية المعتدلة التي لا شك في أنها لو توافر لها الدعم الضروري، الذي هي في أمس الحاجة إليه، لما كانت هناك لا «داعش» ولا «النصرة» ولا كل هذه الشراذم الفوضوية، ولما بقي نظام بشار الأسد صامدا حتى الآن، ولَتم قطع شوط طويل على طريق المرحلة الانتقالية التي نص عليها مؤتمر جنيف الأول، والتي أكدها مؤتمر جنيف الثاني.