(جان كورد)
ليتعرف المزارع على الآفات التي تفتك بمزرعته، فإنه يدرس بإمعان كلاً من التربة والماء ومدى ملاءمة المناخ لما زرعه، إضافةً إلى السماد الذي يستخدمه، والبذرة التي يرميها وينثرها في الأرض أو (الشتلة) التي يغرسها، وهكذا، يتمكّن في العام التالي التخلّص من كثيرٍ من الآفات الزراعية وتحسين محصوله أو منتوجه.
.
مع الأسف، فإن أعواماً طويلة وعديدة قد مرّت على حركتنا الوطنية الكوردية، وأقصد على فصائلها في غرب كوردستان بالذات، وحال المنتوج السياسي لأحزابنا في تراجع، على الرغم من تنامي عدد الأحزاب التي تعتبر نفسها “بدائل” ثورية، أو ليبرالية، أو ديموقراطية، أو إيكولوجية أو فانتازية، عن سواها أو عما سبقها في التأسيس والنضال. وعلى الرغم من تنامي عدد المثقفين والمتعلمين الكورد عما كان عليه وضع مجتمعنا في مرحلةٍ تاريخية سابقة،
.
1: منذ أيامٍ قلائل، اجتماع (غير مغلق) أو سيمينار يعقده “المجلس الوطني الكوردي – سوريا” في مدينة دورتموند الواقعة في منطقة من ألمانيا تتلاصق فيها المدن في ولاية شمال الراين فيستفالن التي هي أكبر الولايات الألمانية من حيث كثافة وحجم السكان، وهي مدينة يكثر فيها عدد الأجانب، لم يتجاوز الحاضرين 16-17 شخصاً حسبما وصلنا من شاهد عيان، فلو أن ممثل كل حزبٍ أحضر معه 3 – 5 أعضاء من تنظيمه أو من مؤيديه لكان العدد يزيد عن 30 ناشط على الأقل. نعم، اجتماع يدعى إليه أصدقاء المجلس أيضاً لا يزيد عدد الحاضرين فيه، في يوم عطلة (الأحد) عن عدد فريقين لكرة القدم في قريةٍ نائية.
.
برأي، إن هروب الجماهير من الأحزاب هي إحدى أكبر الآفات التي تعاني منها أحزابنا، ولكنها ليست الآفة الوحيدة مع الأسف.
.
فلماذا لم يعد المواطنون الكورد الذين “تناضل أحزابنا من أجلهم!” يلبون نداءات أحزابهم ولم يعد يشاركونها في نشاطاتها ويفضلون البقاء بعيداً عنها؟ وهل تدارس رؤساء هذه الأحزاب ومهندسو سياساتها وطبولها الإعلامية هذه الآفة الخطيرة التي تعاني منها حركتنا الوطنية ذات البرامج والأهداف العادلة والواقعية؟ عوضاً عن شتم المعارضين وتقزيمهم واقصائهم.
.
2: الألوف من الشباب الكوردي “السوري” يخاطرون بحياتهم من أجل الوصول إلى أوروبا، ومنهم من لا يصل أبداً مع الأسف، حيث تخطّفه براثن الموت غرقاً أو برصاصات حراس الحدود، فلماذا لم تتمكن الحركة السياسية الكوردية من اجتذابهم واقناعهم بضرورة الالتصاق بأرضهم وأرض آبائهم وأجدادهم والدفاع عنه كما يفعل شباب الشعوب الأخرى؟ أليست هذه آفةٌ من الآفات التي تنهش جسد شعبنا؟ فماذا لدى الحركة من دراسات ومشاريع وأجندات بهذا الصدد؟
.
3: حكومة السيد أحمد داوود أوغلو ومن ورائها النظام العسكري التركي ورئيس الجمهورية رجب طيّب أردوغان في تهديد مستمر الآن لغزو شمال سوريا بهدف “منع قيام دولة كوردية” فيها. فماذا عملت الحركة السياسية الكوردية “السورية” بصدد هذا الخطر حتى الآن؟ هل هي موافقة مثل بعض فصائل المعارضة السورية على غزو تركي للمناطق الكوردية؟ أم هي (ضد) هذا الغزو المتستر تحت اسم “إنشاء منطقة عازلة أو حزام أمني”؟ وبماذا صرّح الأمناء العامون في هذا المجال للصحافة العالمية، وأين هم الآن؟ فهذه آفة كبيرة، أن تبقى حركة بعيدة عن التواصل مع الإعلام العالمي وعن الوسط الدبلوماسي الدولي، لأن الإعلام أخطر من السلاح الآخر، حيث قال نابليون بونابرت: “أخاف صرير الأقلام أكثر من دويّ المدافع.”
.
4: دمّر داعش وطائرات الحلفاء مدينة كوردية بالكامل، وقام الإرهابيون بارتكاب المذابح في العديد من المناطق، راح ضحيتها المئات من المدنيين الكورد، وآخرها مذبحة الغدر الكبرى التي أجراها (داعش) ومن وراءه في مدينة كوباني. فأين ما قامت به الحركة السياسية الكوردية من احتجاجات وتظاهرات ومطالبات بتحقيق دولي و… و… و… أليست هذه آفة أخرى يا ناس؟ وما هي الجهود المبذولة لإعادة إعمار كوباني أم ستصبح “متحفاً للتاريخ”؟
.
5: رغم كل المحاولات المحمودة التي قامت بها قيادة إقليم جنوب كوردستان لاحتواء الاستفراد من طرف واحد بالتنظيم القتالي والعمل السياسي في غرب كوردستان، من خلال تأسيس “المجلس الوطني الكوردي” و”الهيئة الكوردية العليا” و “المرجعية الكوردية!!!”، فإن كل المحاولات قد فشلت لإقناع أصغر ناشط مؤيد لحزب الاتحاد الديموقراطي بأن عودة آلاف الشباب الكورد السوريين المدربين في معسكرات البيشمركة في جنوب كوردستان إلى ديارهم يزيد من فعالية “وحدات الحماية الشعبية” في القتال ضد المهاجمين الإرهابيين على شعبنا، فماذا حققت الحركة في هذا المجال؟ ولماذا لم تتمكّن من فرض ذاتها عسكرياً على ساحة غرب كوردستان بالاعتماد على قواها الذاتية وعلى الشباب الذي لم يخرج من البلاد بعد؟ أما كان بالإمكان اقناع دولة إقليمية ودولية بأن تواجداً كوردياً مسلحاً في شمال سوريا هو إضعاف لمخطط الإرهابيين في الوصول إلى كل منافذ الحدود السورية – التركية؟ ماذا جرى بين الحركة الكوردية السياسية وائتلاف قوى الثورة والمعارضة السورية في هذا الصدد؟
.
6: لماذا معظم المثقفين الكورد (بالتأكيد بينهم انتهازيون وهم قلة) خارج تنظيمات الأحزاب السياسية، أليست هذه آفة كبيرة؟ ماذا فعلت الحركة لكسب المثقفين، وهل دخل مسؤول حزبي بيت مثقف غير حزبي وأقنعه بأن له مكاناً بليق به في تنظيمه؟ هل جرى حوارٌ واحد أمام الجماهير بين مسؤولي الأحزاب والمثقفين الكورد الذين لا يقلون غيرةً على قضيتهم من الحزبيين؟ وهل نزل أمين عامٍ واحد من عرشه لمخاطبة المثقفين بهدف هدم الجدار بينهم وبين الحركة السياسية، وهو جدارٌ وهمي ونفسي لا يوجد حقيقةً؟
.
7: لماذا عدم الإنصاف في توزيع المناصب والكراسي والحقائب بين المناطق الكوردية الرئيسية في غرب كوردستان، فكيف يكون لمنطقة جبل الكورد (كورداغ) مندوبٌ واحد في الهيئة الفلانية، مقابل أكثر من 25 مندوباً للجزيرة؟ وأحياناً لا مندوب لهذه المنطقة ولا لشعب كوبانى المناضل والباسل في بعض الهيئات، بربكّم أليس عدم الإنصاف في القيادات والمسؤوليات، في الحقوق والواجبات، آفةٌ للحركة السياسية لشعبنا المضطهد الذي يعاني من عدم الإنصاف وفقدان العدالة على أيدي مضطهديه ومستغليه عبر الزمن؟
>
فهل تكفي هذه الآفات؟ أم نحتاج لغيرها لنسف مشروعنا القومي برمته؟